@@ صــــرخة شـــــــاب @@

ليس من ذاق حلاوة الشئ كمن حرم منه ، و هل يصح ان يتحدث هذا الي هذا بالنصح او بالنهي ، ان

الرجل الكبير الذي تزوج و انجب و مر بمراحل عمره الواحدة تلو الاخري ، ليس مثل الشاب الذي يخطو

اولي خطواته في كل مرحله ، ليس معه غير رغباته و غريزته التي تؤرق مضجعه ليل نهار و تدفعه دفعا

و تؤجج صدره اجيجا كالنار ، هل يصح ان اجلس اشرح و اوضح ماهية الطعام و ابعاده لشخص يمزق

الجوع امعاؤه ، و بعد ان ظل محروما من الطعام لا يعرف عنه سوي صور الاطباق الشهية التي تملأ

المجلات و التليفزيون ، و صراخ امعاؤه ، و بينما هو جائع يتألم اذ بالدنيا كلها تحرم عليه رؤية الطعام قبل

موعده ، حتي رؤية الطعام محرمة عليه ، سيظل هذا المسكين يعاني الجوع ولا يعرف متي ستنزل اول

لقمة الي حلقه ، متي سيكف صراخ امعاؤه ، متي سينام هنيئا ، قرير العين ، لا يؤرق مضجعه جوع او

عطش ، متي سينام دون ان يتقلب يمينا و يسارا باحثا عن الراحة ، ان لجسدك عليك حق ، و اين هذا

الحق ، كيف ارضيه ، كيف البي احتياجاته من اجل ان يعيش ، اننا الان نعيش اسوأ زمن و اسوأ ايام

عرفها البشر ، لم يعد همنا كيف نعيش و ننتج و لكن اصبح هدفنا هو الوصول للوسيله و ليس الغايه لقد

اصبحت غايتنا هي الوسيله ، و من يدري ، فربما تنتهي حياتنا بمجرد الوصول اليها ، قد يظل الانسان

طيلة عمره يكابد من اجل ان يتزوج او يسكن في مأوي مريح ، ولا يصل اليه او قد يصل في نهاية عمره ،

هل هذه هي الحياة ، متي سنعيش ، متي سنشعر بادميتنا ، عندما نشيب ، عندما يفقد الشباب قوته ،

متخبطا بين رغباته و كيفيه تحقيقها من اجل ان يعيش ، هذا ما نعانيه الان ، كيف للالة ان تنتج بدون وقود

، كيف يمكن لشاب ان ينتج و قد اطبقت عليه احتياجاته البشريه و اصبحت هي شغله الشاغل ، ذلك الشاب

يخرج من بيته كل يوم مع اول خيط للنهار من اجل ان يلحق بوسيلة مواصلات تنقله الي عمله الذي اراد

القدر ان يكون بعيدا عنه ، و ان يستغرق كل يوم ساعة و نصف او ساعتين للوصول اليه و الرجوع منه ،

هذا الشاب الذي انهكته خمسة عشر عاما هي اغلي ايام حياته في الدراسة من اجل ان يكون انسانا محترما

بين الناس ، لقد خدعناه بان افقدناه اغلي سنين عمره بل هي في الحقيقة سنين عمره كلها ، اليس كل ما

يأتي بعد هذه السنوات هو ثمرة العقدين الاوليين من عمره ، لقد اعميناه بايدينا و قيدناه بتروس الكتب و

الدراسه و ضحكنا عليه و قلنا له ستكون شيئا كبيرا يوما ما ، و هل هذه دراسه ، هل و جد هذا الشاب

فرصة ليروح عن نفسه ، هل وجد فرصة ليتريض من اجل جسد سليم ، هل و جد الفرصه من اجل ان

يتغذي جيدا ، هل و هل و هل ، كم من اشياء ضحي بها المسكين من اجل ما و عدناه به ، من اجل ان يكون

انسانا محترما بين الناس ، و اخيرا عندما انهي دراسته هل حصد ما كان يبتغيه ، لا اعتقد ، فلقد خرج

للدنيا منهك القوي ، بعد ان حطمت السنين نفسيته بين اختبارات الدراسه و بين نتائج الامتحانات و انتظار

النجاح و الخوف من الفشل ، كل عام ، كل عام يهلكه السهر و الحفظ و الاستذكار ، لقد سرقنا منه اغلي

سنين عمره و الله انها اغلي من عمره كله ، لقد اخرجنا للمجتمع شابا ضعيفا خائفا متوترا ، مزق الخوف

قلبه و اعصابه ، ليخرج بعد ذلك ليكتشف ان ما كان فيه هذا كله ليس من الدنيا في شئ ، ليكتشف انه كان

معزولا كمن دفن في قارورة و جاء موعد اخراجه منها ، ليري من الدنيا العجب العجيب ، صراعات البشر

من اجل الحياه ، كيف يتعاملون و كيف يتنافسون ، كيف يتوادون و كيف يتحاربون ، هل علمناه حرفا

واحدا من فنون الحياه ، هل علمناه كيف يجد عملا يقتات منه لكي يعيش ، لقد افهمناه شيئا و احدا ، ان

نجاحه في سنين دراسته هي زاده و زواده في هذه الحياه ، و خرج المسكين ليقاسي الجوع و البحث عن

عمل ، يحمل الشهادات التي افني عمره من اجلها ، علها تنفعه ، لكن هل تسد جوعه ، هل تعطيه ليتزوج ،

هل تبني ليه بيتا يسكن فيه ، من يعوض هذا الشاب عن هذه السنين ، من يضمن لهذا المسكين لقمة عيش

و سكن يضمه هو وشريكة حياته ، الان و بعد ان خرج للحياة وقف مذهولا من زحامها و تلاطم امواجها ،

وصراعاتها ، و اصبح همه الان كيف يجد موطئ قدم بين هؤلاء الناس ، كيف يجد عملا يقتات منه ، لكي

يتحول بعد ذلك هدفه من البحث عن العمل الي التجهيز للزواج ، كم من سنين اخري سيقضيها المسكين

بين هدفه الجديد ، و بين امكانياته المحدوده او المنعدمه ان صح التعبير ، لقد ايقن الان ان الحياة الحقيقيه

هي هذه الحياة التي يقف فيها الان ، لقد ايقن الان انا ما كان فيه كان اشبه بفترة مابين حمل المرأة و ولادة

الطفل غير ان الفارق ان الطفل يظل في رحم امه تسعة اشهر فقط و ليس كل هذه السنين.

:( :( :( :( :x :( Crying or Very sad

: